مـعـلـم في الأرياف: "كول الخبز البارد واخزن السخون"
الأربعاء, 30 يناير 2013 00:00
زاوية يكتبها الزملاء الصحافيون والمراسلون بالتناوب ترصد واقع التدريس
بالعالم القروي من خلال شهادات حية لمدرسين ومدرسات ينحتون الصخر لإنجاح
هذا الشيء الذي اسمه "مدرسة النجاح"..فتحية لهم ولهن.
عندما ولج عبد الكريم قطاع التعليم قادما إليه من الكلية، لم يكن يظن
أنه سيجد نفسه مضطرا للعمل في سفح الجبل، على الحدود بين دكالة والسراغنة.
كان يحلم بالعمل بالمدينة، هو الذي تعلم فيها وشب في حي لا يبعد عن
البحر إلا بأمتار. كان يتوجه إلى الشاطئ ب"الشورط"، يمارس لعبته المفضلة
كرة القدم ويغطس في الماء البارد ثم يقفل عائدا إلى منزله قرب الحديقة.
أنهى دراسته الثانوية والتحق بالكلية لدراسة الأدب العربي. بعد التخرج
مباشرة وجد نفسه ينخرط في سلك التعليم. كان يحلم أثناء فترة التدريب
بالبقاء بمدينته التي لم يغادرها آبدا. فوجئ بتعيينه في مكان لم يكن يعلم
مكانه على الخريطة. قيل له "إنك ستعمل بالقصيبة". هو لا يعلم أين توجد،
يعرف جيدا القصيبة التي كان يستعملها في صيد السمك بالمون.
قضى فترة الصيف في الحديث عن مكان عمله الجديد وعن كيف ستكون هذه
القصيبة. التقى بأحد معارفه من سيدي بنور وفتح معه الكلام حولها. أخبره
هذا الأخير أنها منطقة توجد على الحدود بين إقليم سيدي بنور وإقليم قلعة
السراغنة، أي بالقرب من الجبل الأخضر.
اقترب موعد الدخول المدرسي، جمع عبد الكريم أمتعته وأدواته واستقل سيارة
أجرة في اتجاه سيدي بنور. التقى بأستاذ اجتاز معه فترة التدريب، تبادلا
أطراف الحديث عن ظروف التعيين ومكانه. بحث عن وسيلة لنقله إلى القصيبة.
وبصعوبة بالغة وجد مكانا له بسيارة تستعمل في النقل السري متوجهة إلى خميس
القصيبة، من حسن حظه أن يوم سفره وافق يوم انعقاد السوق الأسبوعي.
حط الرحال بالقرب من السوق وسأل أحد المتسوقين عن مكان المدرسة المقصودة.
أخبره بضرورة انتظار سيارة أو عربة لنقله إليها لأنها بعيدة عن الجماعة
القروية. ظل يبحث عمن ينقله إلى مكان عمله الجديد. أخيرا وجد عربة متوجهة
إلى الدوار الذي توجد به المدرسة، ركب إلى جانب صاحبها بعدما وضع أمتعته
فيها.
بعد ساعتين من السير، كانت خلالها العربة ترتفع وتنخفض بسبب النتوءات
الصخرية، وصلت إلى طريق شبه معبد. توقفت العربة ونزل عبد الكريم منها
وأنزل أمتعته. أخبره صاحبها أنه مضطر لانتظار عابر للطريق لنقله إلى
المدرسة أو قطع المسافة المتبقية راجلا، والمقدرة في عشرة كيلومترات.
ظل واقفا يحملق في الفراغ غير المحدود. سماء شتنبر المغبرة ورياحه شبه
الجافة، كانت تزيد من قتامة الموقف. الفضاء واسع ومترامي الأطراف، افتقد
البحر، أحس بعرق يتسرب تحت إبطه، فكر في العودة من حيث أتى دون أن يقوى
على تنفيذ الفكرة. قضى حوالي الساعة في انتظار من ينقله إلى المدرسة.
وصل إلي مكان التعيين في حدود الساعة الرابعة زوالا، حط أمتعته قرب باب
القسم الوحيد واستسلم للواقع. المكان مقفر ولا أحد يوجد هناك. أعياه
التعب، اتكأ على الجدار قبل أن يجلس على أمتعته منتظرا الفرج. بعد حوالي
نصف ساعة التحق به زميل في المهنة قادم من البيضاء.
فرح عبد الكريم كثيرا، على الأقل سيجد من يكلمه في هذا المكان المقفر.
وضعا أمتعتهما داخل القسم. كان زميله أكثر تجربة منه، إذ عمل سنتين بفرعية
أخرى أبعد وأقفر من هذه. قضى عبد الكريم الليلة الأولى نائما فوق طاولات
القسم. وفي الصباح، أحس بتعب والتواءات في عموده الفقري، سرعان ما تعود
عليها.
يتذكر عبد الكريم الآن بعد مرور حوالي خمس عشرة سنة على أول يوم له
بالقصيبة، أنه وزميله كانا بليدين إلى حد ما، إذ كانا يحتفظان بالخبز
الساخن ويتناولان الخبز البارد، وما زال يتذكر، أن زميله بالمدرسة كان
يقول له، "كول الخبز البارد واخزن السخون حتى الليل".
أحمد ذو الرشاد (الجديدة)