يزخر علم التربية بالكم الهائل من المفاهيم والمصطلحات. ومن المعلوم أن المدخل لأي علم هو فهم مصطلحاته ومفاهيمه. ولما تتصف به العلوم التربوية من تداخل وتباين وجهات النظر في تعريف مفاهيمها والتفريق بينها؛ فإننا نحاول هنا بإذن الله جمع المصطلحات المهمة في التربية وتقنيات التعليم، والتي لابد لكل معلم أن يكون ملماً بها وللفرق بينها..
**********************
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:151]
لماذا نتعلّم ؟.. وكيف نتعلّم؟
لطالما توقفت ..وفكّرت .. لماذ نتعلم؟ وكيف نتعلّم؟ .. كيف ازيد دافعية طالباتي للتعلّم؟ .. هذا التساؤل دفعني للبحث عن ماهية التعلّم في بحور النت .. وعندها تهت في لج من التعقيدات والآراء الفلسفية تزعزعت نيتي في استكمال المشوار .. ولكن .. بمساعدة اصدقائي .. ولما للموضوع من أهمية في فهم أساس التعليم عدت لنبدأ معا .. تمرين العقول بالتفكير والتدريب على استنباط المنطق من النظريات السائدة .. وفهم كيف تعمل ادمغتنا حين نتعلّم .. وكيف تتحول لسلوك موجه
--------------------------------------------------------------------------------
المقدمة
كل من فكّر بعملية التعلّم لاعتقد بأنها سهلة تلقائية .. إلا أنها في الواقع عملية معقدة إلى الحد الذي لا يمكننا القول بأن أي تفسير لهذه العملية وخصائصها هو تفسير مقبول أو متكامل. إنها عملية ديناميكية مستمرة قد تحدث في أي ظرف وفي أي وقت وتحدث تغيرات غير مرئية في عقولنا عندما نخوض التجارب أو المواقف في حياتنا. يشعر الشخص أثناء عملية التعلّم بالاثارة والثقة والفضول وهو ما يؤدي لفهم أعمق للحياة وتكوين نقاط اتصالات بين الأفكار والتجارب .
التعلّم مفهوم رئيس من مفاهيم علم النفس وظل يحظى باهتمام العلماء والمفكرين ورجال التربية في كل زمان ومكان. فمنذ عهد الفلاسفة الإغريق، بل ومنذ نزول الأديان السماوية، حتى عهدنا الراهن الحافل بشتى صنوف العلم والمعرفة وتطبيقاتها التقنية والعملية، وهو يشكل احدى القضايا المحورية وما ينبثق عنها من بحوث وتجارب ودراسات وتعليم وتدريب وتطبيق. كما إنه موضع اهتمام الآباء والأمهات وأفراد المجتمع بشكل عام والمعلّم الخبير بشكل خاص.
وقد جرى الاتفاق العام على تعريف التعلّم بأنه "نوع من تعديل السلوك". وتم تعريف التعليم في علم النفس والتربية بأنها "العملية التي تمزج بين التأثيرات المعرفية والعاطفية والبيئية مع الخبرات المكتسبة للفرد محدثة تغيرات في معرفته، ومهاراته ، وقيّمه ونظرته للعالم". أما اذا خضنا في أغوار مفهوم التعلّم وتحديد المتغيرات الهامة التي تدخل في عملية التعلّم، و تحديد أنواع التغير السلوكي الذي يطرأ على الانسان عند التعلّم من القضايا، فإننا ندخل في حدود نظريات التعلّم. وما لظهور الكثير من نظريات التعلّم إلا دليل على تعدد طرق دراسة التعلّم وشاهد على نضال علماء النفس في سبيل التعامل مع هذا الموضوع الهام.
--------------------------------------------------------------------------------
مفهوم النظرية
لابد لمن دفعه الفضول لأن يتعرف على آلية حدوث عملية التعلّم، فإنه سيمر في دهاليز فلسفية نتجت من اختلاط العلوم الانسانية بالاتجاهات الفكرية والاعتقادات الراسخة المتباينة في عقول من تبني عملية التفسير والشرح. وفي النهاية سيقوم بقولبة خلاصة ما توصل له من وصف ا لعملية وما يرافقها من معطيات وحقائق وتجارب قياسية في اطار يعرف بالنظرية. تعرّف النظرية بشكل عام "بأنها مجموعة المفاهيم والافتراضات المترابطة التي تنظر إلى الظاهرة نظرة شمولية، ويتم فيها تحديد المتغيرات التي تؤثر في كل منها، والعلاقات بينها، بهدف وصف هذه الظواهر، وشرحها، والتنبؤ بها".
وبالتالي فإن النظرية تتكون من :
أ- مجموعة من الوحدات ( حقائق ، مفاهيم ، افتراضات ، متغيرات ).
ب - نظام يحدد العلاقات بين تلك الوحدات ويفسرها.
وكون أن النظريات تعتبر نتاج لجهد الباحثين عن الفكر وتحليل الأنشطة الانسانية. فالنظريات تختلف وتتباين اعتمادا على الفلسفة التي نبعت منها وعلى اعتقادات وتوجهات العالم الباحث ولذلك عادة ما يتم إخضاع النظريات للاختبار، فقد تقبل أو تعرّض للدحض أو النقد (التفنيد) .
أما عن مراحل دراسة ظاهرة ما أو سلوك انساني معين فإن الباحث يقوم بالخطوات التالية:-
أولا :بتحديد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة.
ثانيا :وضع الافتراضات المناسبة.
ثالثا :اجراء تجارب معيارية أو دراسات ميدانية ذات متغيرات محددة وذلك لاثبات صحة فرضياته
رابعا :تحليل النتائج المتحققة ويضع التفسيرات المنطقية لها.
خامسا :تكوين علاقات منطقية بين المتغيرات ذات أسس وقواعد قياسية تسمى المبادئ.
سادسا :التنبأ بالحالات أو الظواهر المستقبليةالمختصة بالسلوك المدروس .
عادة لا توجد نظرية كاملة .. فكل نظرية لا بد من وجود عيوب أونقاط ضعف، حيث أن لكل نظرية حدود معينة. كما أن النظريات تعتمد على مدي كل من :
1 - دقة ووضوح مفاهيمها
2 - قابليتها للاختبار
3 - درجة التحقق من فرضياتها
4 - صحة الأساس الفلسفي الذي نبعت منه.
ولكن عادة لا توجد نظرية كاملة .. فلابد لكل نظرية عيوب أو نقاط ضعف، لأن كل نظرية لها حدود معينة.
فمن العوامل التي تميّز النظريات وتحدد مدى قبولها :
1- الوضوح والدقة من حيث الإجراءات التي تكفل عدم غموضها، وبساطة مفاهيمها وعدم تناقضها وسهولة فهم معانيها ومصطلحاتها.
2- الشمولية و القدرة على تفسير مختلف الظواهر السلوكية .
3- قابليتها للبحث والتحقق والدراسة بحيث تصاغ بطريقة تحث الباحثين علي البحث العلمي والمعرفة
4- قابليتها للتطبيق والعملي والدراسة .
5- تحقيقها للفائدة العلمية وتوظيف مبادئها في الواقع العملي وربطها بالحياة
إن للنظريات أهمية وظيفية، فهي:
• تقدّم تعريفات دقيقة ومحددة للمصطلحات والمفردات المستخدمة.
• تبين العلاقات بين اجزاء الظاهرة المدروسة وبين المعارف المتوفرة عن طريق عمل تجارب ودراسات متعددة في كل جوانبها.
• تقوم مقام الموجه والدليل الهادي للبحوث العلمية
• تساعد على الانجاز واستغلال الزمن والموارد المحدودة.
• تلفت الانتباه للمتغيرات الحاسمة في ايجاد الحلول وإن كانت لا تعطي الحلول وقدتبتعد - في بعض الأحيان - عن التطبيق الواقعي.
نظريات التعلّم
قد يكون من أكثر مواضيع علم النفس التربوي أهمية هو فهمنا للسلوك الانساني أثناء التعلّم. فالسلوك الانساني يحدد بأنه إما أن يكون فطريا يعتمد على امكانيات الفرد الفسيولوجية من خلال تطوره ونشأته أو سلوك متعّلما يكتسبه عندما يسعى كل فرد لتأدية دوره الاجتماعي بنجاح وبتكيفه مع الظروف التي حوله واكتسابه للاتجاهات والقيم التي تجعل حياته أفضل.
لا توجد نظرية – مهما كانت قوة بناءها – قادرة على تقديم تفسير لكل أنواع السلوك الإنساني. كما لا يمكن لأي نظرية بمفردها أن تقدم تصوراً وتفسيراً للعوامل المتداخلة (النفسية والبيئية) والمؤثرة في السلوك الإنساني. لذلك امتلأت الساحة التربوية بالعديد من نظريات التعلّم التي تناولت كل منها جانب مختلفة من الموضوع. فتباينت الآراء واختلفت التوجهات. إلا أنه تم الاتفاق على تعريف عام لنظريات التعلّم على أنها "مجموعة من المبادئ والمضامين التي يمكن من خلالها ربط التغيرات الملاحظة على الأداء، مع ما يمكن تصوره سببا لحدوث هذه التغيرات" (المقوشي،2001)، أو هي "محاولات لتنظيم حقائق التعلّم وتبسيطها وشرحها والتنبؤ بها وتفسيرها"(عبد الهادي 2002)
وتفيدنا نظريات التعلّم في فهم طبيعة عملية التعلّم المعقدة. فهي تمكننا من أن نرى الصورة واضحة وتربطنا بأعمال الآخرين من خلال نقل التجربة من سياق إلى سياق آخر. ويعتقد Hill (2002 ) أن لنظريات التعلّم قيمتان أساسياتان :
1 – توفّر لنا المفردات والنماذج الصورية لتفسير المواقف التعليمية التي نلاحظها
2 – توفّر الاقتراحات للبحث عن الحلول للمشكلات التطبيقية .
ويمكن تصنيف نظريات التعلّم بحسب سبب حدوث التعلّم إلى :
• النظريات السلوكية: يتم فيها التركيز على دور البيئة الخارجية كعامل أساسي في تفسير السلوك. فقد اهتموا بالسلوك كظاهرة تحدث وتلاحظ ولم يهتموا بالتفسيرات الفسيولوجية واعتبروا التعلّم ما هو إلا انعكاس ارتباطي ما بين المثير والاستجابة. وتضم هذه المجموعة آراء ايفان بافلوف، وواتسون وجثري وثورندايك وهل وسكنر.
• النظريات المعرفية : وهي التي تعطي أهمية للعمليات التي تجري داخل الفرد – مثل التفكير والادراك والتخطيط واتخاذ القرار وما شابه ذلك – أكبر مما تعطيه للبيئة الخارجية أو للاستجابات الظاهرة. والمبدأ الأساسي الذي تستند إليه هو أن معظم السلوك – بما في ذلك التعلّم – يتم التحكم فيه من خلال العمليات المعرفية الداخلية وليس من خلال المؤثرات أو الأحداث الخارجية. ومن ثم فإنه يتوجب لفهم السلوك الخارجي أولا فهم كيفية عمل الذاكرة أو العقل البشري. وتضم الأفكار الجشطلتية لفيرتيمر وكوهلر وكوفكا ،
• النظرية البنائية لبياجيه: وهي تجعل المتعلّم يقوم بدور نشط في العملية التعليمية التي هي عبارة عن طريقة فردية لتفسير معلومات تم الحصول عليها بواسطة الحواس، والمتعلّم هو محور العملية والمعلّم مججرد مساعد ولا يعطي المعلومة وإنما يصل إليها الطالب بنفسه، والعملية التعليمية هنا عبارة عن تعلّم من خلال السياق والبيئة. وتعطى المعلومة في سياقها والمتعلّم يختار المعلومة التي يمكن تطبيقها في سياقات كثيرة وبهذا يكون تطبيقها أوسع.
وكملخص فإن السلوكيين يدرسون ( ماذا ) والمعرفيين يدرسون ( كيف ) والبنائيين يدرسون التطبيق في الحياة الواقعية
وسيكون معنا لقاء تفصيلي لكل من تلك النظريات
*********************************
النظرية السلوكية:
النظرية السلوكية:
" إننا لا نولد وتولد معرفتنا معنا، ولكننا نكتسب هذه المعرفة "
"العقل البشري يولد صفحة بيضاء تخط الخبرة عليها فيما بعد"
جون لوك – فيلسوف انجليزي
مقدمة
ترجع جذور نظرية التعلم السلوكية التاريخية إلى ارسطو صاحب المقولة
" أن التذكر يرتكز على التزامن بين الأحداث مثل الرعد والبرق".
أو " إن التقليد قد يزرع في الإنسان منذ الطفولة، وأحد الاختلافات بين الانسان والحيوانات الأخرى يتمثل بأنه أكثر الكائنات الحية محاكاة، من خلال المحاكاة يتعلّم أول دروسه".
وقد تعاقب الفلاسفة من بعده واتبعوا أفكاره مثل هوبز (1650) ، هيوم (1740) ، براون (1820) ، باين (1855) وEbbinghause (1885) (أسود ، 1995). بافلوف ، واتسون . وثورنديك وسكينر وقاموا بتطويرهاووضع تفاصيلها. وقد كان واتسون هو الباحث الذي اعتمد اسم "السلوكية".