قضية تلميذات طنجة .. هل تحولت "السبنية" إلى لافتة للسلفيين؟

هسبريس من طنجة
الاثنين 06 ماي 2013 - 14:55
قبل
أسبوع تقريبا، احتشد العشرات من المحسوبين على التيار السلفي أمام
الثانوية الإعدادية "ابن سينا" بالحي المسمى "سانية العوامة" بمدينة طنجة
احتجاجا على منع أربع تلميذات من دخول حجرات الدراسة.
جدل
الأخبار
التي نشرت على صفحات الجرائد و الفيديوهات المتناثرة على مواقع التواصل و
الشبكات الاجتماعية تقول إن سبب منع الفتيات راجع إلى رفضهن خلع الحجاب
الذي أزعج منظره مدير المؤسسة التعليمية بينما يستفاد من ردود مسؤولي
القطاع التعليمي بطنجة، التي أعقبت الضجة، أن الإدارة منعت التلميذات من
الولوج إلى رحابها بعد رفضهن ارتداء الزي الرسمي الموحد الخاص بتلامذة
الثانوية الإعدادية.
إثارة
القضية لكل هذا الجدل على المستويين المحلي والوطني و تضارب الروايات حول
الأسباب الواقفة وراء المنع، دفع هسبريس للبحث في تفاصيل الموضوع و
الاستماع لأطراف يساعد موقعها الحيادي على تبيان حقيقة الأشياء.
بدأت
الخيوط الأولى لما أصبح يعرف بقضية "تلميذات طنجة" تظهر مع انتشار فيديو
على موقع "يوتوب" تتهم فيه تلميذات مدير إعداديتهن بطردهن من المؤسسة بعد
رفضهن خلع الحجاب، وهي الاتهامات التي خلفت ردود أفعال قوية ذهبت في
غالبيتها باتجاه إدانة قرار المدير.
هل
وصل التطرف "العلماني" ببعض المدراء الى الإقدام على سلوك عنصري ضد فتيات
بسبب الهندام؟ هل يحدث في المغرب، البلد المسلم، ما حدث في برلمان تركيا
العلمانية، منذ سنوات، عندما أثيرت الضجة حول حجاب نائبة برلمانية متدينة؟
أسئلة كانت تتفاعل في رؤوس عدد من المواطنين الذين تابعوا الأخبار
المتناسلة و القادمة من مدينة البوغاز دون الوصول إلى إجابات شافية.
طول "السبنية"
فاطمة
الزهراء، إحدى التلميذات التي ظهرت في الفيديو، صرحت أن المنع راجع إلى
طول "السبنية"، هو الاسم الذي يطلق على غطاء الرأس في المدن الشمالية، الى
جانب فاطمة وقفت أسماء و نسرين التي قالت أنها لم تسلم من عنف حارس
البوابة بعد وقوف التلميذات الثلاث أمام باب المؤسسة بعد خمسة أيام من
منعهن من حقهن المشروع في الدراسة.
بدت
فاطمة الزهراء أكثر كاريزمية و هي تتحدث، في الفيديو، عن المغرب الذي
وصفته بالبلد الإسلامي و العربي و الكافل لحريات الأديان بما فيها
النصرانية و اليهودية و تساءلت عن واقع التمدرس و أرقام الأطفال المعوزين
الذين لا يلجون التعليم بسبب ظروفهم الاقتصادية المزرية. في الفيديو، تظهر
التلميذات و قد ارتدين الوزرة البيضاء تحت "السبنية" السوداء و من شاهد
المقطع المصور لا يمكنه إلا التعاطف مع المحجبات.
سألت
هسبريس، عند باب الإعدادية، عن من يتقاسم الحجرة الدراسية مع التلميذات،
التصريحات التي أدلى بها عدد من زملاء وزميلات القسم تكشف وجها آخر
للقضية. أحد التلاميذ صرح أنه شاهد الفيديو و أن حجاب التلميذات فيه كان
أقصر بكثير من طول التوب الذي تأتي به الفتيات الثلاث عادة إلى فضاء
المؤسسة. ربما وجب طرح السؤال على زميلة فقد تكون أكثر تعاطفا من الزملاء
الذكور، غير أن التصريح يأتي مطابقا للشهادة الأولى حيث تقول تلميذة،
تقتسم الحجرة الدراسية مع فاطمة الزهراء، أن المدير طلب من زميلاتهن تقصير
الحجاب الذي يصل إلى حدود الركبة.
توالت
الشهادات فتأرجحت بين تأكيد الروايتين السالفتين و أجوبة من قبيل " أنا
ما عارفشي أخاي" باستثناء تلميذة واحدة قالت أن طول الحجاب كان هو نفسه
الظاهر على "اليوتوب". أستاذ بالإعدادية أخبر هسبريس أن الزي، كان يتجاوز
في طوله الحجاب المنتشر في المؤسسة و خارجها و أنه أقرب إلى "البذلة
النظامية" التي تميز نساء التيار السلفي، مُحدِث الجريدة الالكترونية قال
أن الإدارة حاولت في البداية أن تصل إلى حل وسط،على حد علمه، عبر مطالبة
التلميذات بالحفاظ على نفس "السبنية" الطويلة شرط وضعها تحت الوزرة
البيضاء التي تعتبر زيا رسميا موحدا لكل المتمدرسين غير أنهن امتنعن عن
تنفيذ تعليمات المدير. ذات الأستاذ لم يخفي ما اعتبره أخطاء للإدارة في
تدبيرها للملف خاصة ما تعلق بطريقة الإدارة في تدبير "الأزمة" و اللهجة
التي استعملت أحيانا لتنبيه الفتيات.
رسائل سياسية
انتظرت
هسبريس تنظيم الوقفة الاحتجاجية ، بداية الأسبوع الماضي، أمام الإعدادية
الثانوية "ابن سينا". الوقفة رفعت فيها الرايات المميزة للسلفيين ولافتات
تعتبر قرار المدير إساءة للإسلام، حيث كتب على إحداها "حجابي عفتي... سحقا
للعلمانية" فيما ردد المحتجون الذين تجاوز عددهم المائة وخمسين شخصا،
بينهن نساء منقبات يحملن بدورهن رايات السلفية، شعارات تطالب المدير
بالرحيل وتصفه بالعنصري.
الوقفة
التي استمرت لأزيد من ساعتين، تجاوزت التنديد بمنع تلميذات من قاعة
الدرس، الى رفع المحتجين لشعارات قوية ضد الناشط الأمازيغي أحمد عصيد على
خلفية التصريحات التي أدلى بها في ندوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
صبيحة مؤتمرها الوطني بقاعة المهدي بنبركة وسط الرباط، بخصوص المنظومة
التعليمية المغربية، وهي التصريحات التي كانت سببا في إلغاء مناظرة كان من
المقرر أن يتناظر فيها الباحث في الشؤون الأمازيغية مع محمد الفيزازي،
واحد من أبرز وجوه السلفية بالمدينة المتوسطية. سبب الإلغاء أرجعته جمعية
"يوبا"، الداعية للمناظرة، إلى تهديدات بالقتل توصل بها عصيد من طرف
محسوبين على التيار السلفي الذي ينشط بقوة في مدينة طنجة.
تستمر
الشعارات في وقفة السلفيين و أهالي التلميذات "الممنوعات" و يستمر
التنديد بمنع الحجاب.. بالموازاة مع ذلك تخرج العشرات من التلميذات من
بوابة المؤسسة، غالبيتهن يرتدين حجابا "عاديا". عند الساعة الرابعة و
النصف من مساء نفس اليوم توجهت الجريدة بالسؤال إلى بعضهن، خاصة أن هسبريس
انتبهت إلى أن جل المستجوبات في السابق كن من غير المحجبات. أنتن تلميذات
ترتدين الحجاب، هل تعرضتن لمضايقات من إدارة "ابن سينا"؟ الجواب جاء
بالنفي، "لم يسبق لأحد أن سجل لنا أية ملاحظة في موضوع حجابنا.." تجيب إحدى
المستجوبات. تلميذة أخرى أضافت "نتينا صحافي، شوف نسرين و أسماء وفاطمة
الزهراء قالوا ليهم لبسوا حجاب مغربي بلاصت الزي "الأفغاني" أو تقصرو
السبنية حتى للكتفين بلاصت الخمار..".
النائب
الإقليمي لوزارة التربية الوطنية اعتبر الحركة الاحتجاجية "بدون معنى"
مضيفا في تصريحه حول الملف أن "الوقفة بدون موضوع" مشددا على أنه استقبل
التلميذات رفقة أوليائهم بمكتبه واتفق معهم على ارتداء التلميذات للزي
المدرسي الموحد مقابل السماح لهن بالعودة إلى صفوف أقسامهن، وقال بلوط أنه
زار المؤسسة صباح الاثنين الماضي وسهر شخصيا على دخول التلميذات إلى
أقسامهن.
حادثة
"تلميذات طنجة" تثير أسئلة تتجاوز المنع الى إشكالات مرتبطة بأنماط
التدين بالمغرب و سؤال الهوية في علاقته بالهندام و سؤال القوانين
الداخلية بالمؤسسات العمومية مابين الحرية و الانضباط. فهل تكون الحادثة
فرصة لفتح نقاش عمومي حول قضايا شائكة أم يغلق الملف بعدما أغلق باب
الإعدادية التي احتضنت تلميذات "السبنية" من جديد؟ إنه التساؤل الأكبر الذي
يحتاج الى جواب.